أنا اتهزأت يا رجالة

الموضوع في 'إرتشاف الذائقة' بواسطة طلال الدبعي, بتاريخ ‏12 ابريل 2010.

  1. طلال الدبعي

    طلال الدبعي شاعر/اداري

    أنا إتهزأت يا رجالة

    لي صديق طفولة من النوع الذي نسميه في السودان "جَخاخ"، وهو الشخص الذي يتحدث عن نفسه كثيرا من باب التباهي بما ليس فيه او عنده، فهو دائم الحديث عن منصبه وراتبه وبيته واستثماراته، وكثيرا ما حاولت إحراجه وإسكاته بتذكيره بأننا كنا نرعى الغنم سويا، ونمارس الأنشطة المعتادة لأبناء الريف الفقراء، وقبل أيام كنت أزور صديقا عاد ابنه من الخارج، ووجدت عنده نفرا من زملاء الدراسة، وكان من بينهم صديق ذو نزعات "شريرة"، بادرني بالثناء على ذوقي في اختيار الملابس، فاستشعرت الخطر لأن الكل يعرف ان زوجتي تختار لي ملابسي صونا لي من التريقة لأنني أعاني عمى الألوان، بدرجة أن أفراد عائلتي يربطون فرشاة أسناني بخيط كي أميزها بعد ان ضبطوني أكثر من مرة وأنا استخدم فرشاة لا تخصني.. ثم واصل حديثه عن كتاباتي الصحفية وظهوري "المشرف" في برامج تلفزيونية.. كل ذلك وأنا متوتر لأنني كنت أدرك أنه يمهد لتوجيه ضربة تحت الحزام الى شخصي!!
    وكما توقعت تماما فقد أدار دفة الحديث 180 درجة وتحول الى الحديث عن ايام الدراسة والذكريات المشتركة ثم سألني: تذكر عندما زرتك وأنت تعمل في مستشفى الخرطوم بحري خلال عطلة الصيف وانت طالب بالجامعة؟ سكت جميع من حولنا لأنهم يعرفون ان ذلك الشرير متخصص في تفجير الألغام وأدركوا ان السؤال غير بريء وأنه بصدد الكشف عن سر خطير!! وهكذا قلت في سري: بيدي لا بيد عمرو!! أي انني قررت ان احكي تجربتي في ذلك المستشفى بدلا من ان اترك الأمر لذلك الشرير كي يعيد ويزيد في الحكاية: كنت طالبا في السنة الثانية بالجامعة التي التحقت بها رغم احتجاجات والدي الذي رأى أنني أمضيت فترة طويلة في مقاعد الدراسة ولا يليق بي ان أظل "تلميذا"، وخلال سنتي الأولى بالجامعة عملت مدرسا في مدرسة متوسطة، ووفرت مبلغا كان يكفيني طوال المرحلة الجامعية، ولكن فرحة الثراء جعلتني أُسلم معظم المبلغ لأمي وأخواتي هدية، وهكذا تحتم علي ان اعمل خلال العطلة الصيفية قبل الانتقال الى السنة الثانية في الجامعة، ولأنني كنت "مسنودا" فقد عثرت على وظيفة محترمة في مستشفى الخرطوم بحري براتب قدره ستة جنيهات شهريا، وكانت وظيفتي "حساسة"، وتتمثل في تسلم "العينات" التي تصل الى المختبر الطبي، وتسجيلها يدويا في دفتر ثم تسليم نتائج الفحوص للمرضى: دوسنتاريا.. سكري.. تايفويد... سل رئوي...أملاح...!! يا حليل تلك الأيام حيث لم يكن هناك سارس او ايدز وغيرهما من الأمراض سريعة الانتشار، ورغم ان أصدقائي كانوا يحسدونني على راتبي الضخم، ويحاصرونني بالطلبات فإنني لاحظت انهم يتفادون الأكل معي: يا جماعة انتم مدعوون الى مطعم الأندلس لنأكل لحما مشويا!! يتهربون من الدعوة بأعذار سخيفة ويقول أحدهم: لا داعي للتبذير.. لماذا لا نذهب الى السينما؟.. وكانوا يمارسون الابتزاز معي، فإذا رفضت إقراض أحدهم مالا، إما لأنني كنت أعرف انه لن يرد المبلغ، او لأنه يتفادى تناول الطعام معي، صاح بأعلى صوته: ما هذه الروائح؟ هل سقطت في حفرة المجاري يا ابوالجعافر؟ ولك ان تتخيل وقع مثل ذلك السؤال في جامعة كان رُبع الدارسين فيها من البنات!!
    المهم رويت الحكاية وحسبت انني أخرست صديقي الشرير ولكنه بادرني بالسؤال: ولماذا لا تخبرنا عن تجربتك كبائع في دكان أحذية باتا؟


    جعفر عباس - أبو الجعافر
     

مشاركة هذه الصفحة