لا أعلم من أين أبدأ الكلام. ولا أدري إذا ما عرفت البداية. فهل سأوفق في سرد كل ما رأيت وما يجول في نفسي من أفكار حبيسة. تلك الأفكار الكثيرة والمتلاطمة في رأسي، كتلاطم الأمواج في البحار المظلمة، لا تهدأ ولا تتوقف عن الجريان. إنك إذا ما ذهبت للصلاة في مسجد هنا في الغرب، سينتابك العجب العجاب من كثر ما ستري من قوميات مختلفة من بلدان متفرقة من العالم الإسلامي. تجد العرب والأفارقة والأسيويين والصينيين والأوزبيك والأتراك وغيرهم. تجدهم كلهم مجتمعين للصلاة في المسجد. وإنك حين تدقق في وجوههم، تجد الحزن والأسي في عيونهم جميعا كعامل مشترك بينهم، وتجد الغربة وآثارها قد ارتسمت في وجوهم وأجسادهم. كل واحد منهم له قصة وتاريخ شكلهما ورسمهما وعاشهما بنفسه وبمفرده، وإنك إذا ما أصغيت إلي قصص حياتهم منذ أن أتوا إلي الغرب، ستظن أنك تحاكي عدة أشخاص قد اجتمعوا في ثوب رجل واحد. كل واحد منهم قد زاول ما بين الخمسة والعشرة أعمال، وكلهم واجه من المتاعب والمخاطر ما لم يواجهه العصبة من الرجال في بلداننا، ومنهم من لم يوفق في تسيير أموره فانحرف زمنا غير يسير عن معتقداته وثوابته، ومنهم قد سجن لفترة غير يسيرة، ومنهم من وفق في أموره ولكنه يحس بعدم الامان والاستقرار، ومنهم من لم يوفق في الحصول علي إقامة في هذه الدول فبقي يعيش بشكل غير قانوني، عيشة تخف وبعد عن الأنظار، حتي أنه كبر سنه ولم يستطع الزواج بسبب وضعه القانوني، ومنهم من هرب من بلاده لأسباب أمنية ولايستطيع العودة إليها. ومنهم من دخل المستشفي بمرض عصبي بعد أن لم يقو علي تحديات غربته. الجميع يعيش في هذه البلدان كعيشة الصعاليك الذين تصعلكوا عن بلادهم وقبائلهم وعاشوا بعيدين عن ديارهم، يواجهون الحياة ومصاعبها وأهوالها بمفردهم، ويكبرون ويشيخون ويموتون في غربة قاسية فظيعة، لا يجدون العون من أي جهة، وقد كانت سفارات بلادهم في تلك الدول أول من يتنكر لهم ولمشاكلهم، فعاشوا وكبروا وماتوا دون رعاية ودون أبسط أنواع الحقوق البشرية. وقد يظن البعض أن هؤلاء قد هاجروا بإرادتهم وخيارهم، وقد كان بإمكانهم البقاء في بلدانهم ودولهم. والحقيقة أن الامر قد يكون صحيحا بالنسبة لنسبة قليلة من هؤلاء المغتربين، إلا أن السواد الأعظم من هؤلاء قد جاء إلا الغرب بعدما لم يجد مجالا للعمل وللارتزاق في بلده الأصلي، فالبطالة في بلدان العالم الثالث قد تجاوزت كل الحدود، وحتي أن الكثير من حملة الشهادات العليا لا يجدون عملا في بلدانهم، وهذا أمر قد يكون واضحا وقد لا يحتاج الي التدليل. هذا من جهة، ومن جهة أخري فإن الدراسة في بلداننا أصبحت أمرا مكلفا وفي غير مقدور كل الناس أن يدرسوا أكثر من فرد أو فردين في العائلة. وحتي الأجور فإنك إذا ما قارنتها بالنفقات الأساسية فستجد أنك بحاجة لدين شهري للوفاء بالتزامات البيت والعائلة الأساسية. ولا يجد المواطن في بلداننا من يعينه ويرعاه ويوجه طاقاته، فتجد الناس يحاولون وبكل الأساليب لترك أوطانهم والتصعلك في الغرب. وما أن يجيء إلي الغرب وإذا بأنواع التحديات المختلفة تتهاوي عليه من كل مكان . إن الطاقات التي تبذل في الغرب من هؤلاء المغتربين، هي طاقات ضائعة حقيقة من بلادنا، فلو وجد هؤلاء المغتربون رعاية من الحكام في بلداننا، ما فكر أحد منهم بالسفر أو المكوث يوما في الغرب بعيدا عن أهله ووطنه، ولكن اهتمام الأنظمة في بلداننا بكراسيهم وبخدمة أسيادهم، جعلهم يقصرون ويهملون أمور شعوبهم ورعاياهم، ولم تكتف الأنظمة بهذا بل وراحت تفرض الضرائب تلو الضرائب علي دخل المواطن غير الكافي أصلا لحاجاته الأساسية، الأمر الذي أدي بالمواطن للتفكير بالهجرة دون التفكير ولو لحظة واحدة بإسم البلد التي يريد الهجرة إليها، ودون التفكير ولو لحظة واحدة بالمتاعب والمصاعب والأخطار والتحديات التي تنتظره في تلك الدول المرجوة. ومن هؤلاء المغتربين من طاردته هذه الأنظمة فاضطر للهرب من الموت والعذاب، وسبب مطاردته أنه يقول ربي الله، وأنه لم يتمكن من الصمت جراء ما يقوم بها حكامنا من تنازلات ونهب للبلاد، فطاردوه وسجنوه ثم منعوه من العمل، فوجد نفسه أمام طريق مرسوم آخره سفارة للحصول علي تأشيرة سفر، وهؤلاء منهم العالم ومنهم الدكتور ومنهم المهندس والأستاذ والمواطن العادي. إن المقارنات والمفاضلات بين البقاء في الغرب والرجوع إلي البلدان الأصلية، تشغل حيزا كبيرا في عقول المغتربين الذين يستطيعون العودة إلي بلدانهم، ولكنهم قد ملوا التحديات والأخطار، كما أن عقولهم قد اعتادت علي التفكير السليم في تسيير شؤون حياتهم، وربما كان التفكير السليم هو شيء غير مرغوب به أيضا في البلدان التي ينتمون إليها، الأمر الذي يجعل المغترب غريبا في بلاده، وغريبا تائها كله. فمن غربة إلي غربة، ومن شقاء إلي شقاء. يقول المثل اسئل مجرب ولا تسئل طبيب تحياتي
قال : الله تعالى مخاطباً بني إسرائيل (أن اقتلوا أنفسكم او أخرجوا من دياركم) صدق الله العظيم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر الى المدينة ( والله إنك لاحب البلاد الى قلبي ولكني أهلك أخرجوني) . صدق رسول الله . أخي الكريم أن الغربة هى الموت لا فرق فيهم الاول الموت للجسد والثاني الموت للروح فكلاهما موت والمغترب يلاقي في غربة من العذاب النفسي ملا يلاقة غيرة من البشر . والمرأ منا عندما يكون لدية خيار الغربة لا يكون إختياراً وإنما هو الوضع الذي فرض علية الغربة كما في الحديث , إن الاوضاع في البلاد الاسلامية هي التي حكمت على الكثييرين بالاغتراب ومفارقة الاهل والاوطان . موضوعك اثار شجوني أخي الكريم فأحببت ان احط رحالي هنا قليلاً . لك كل الشكر والتقدير ..