عندما تحين العاصفة

الموضوع في 'إرتشاف الذائقة' بواسطة طلال الدبعي, بتاريخ ‏18 ابريل 2010.

  1. طلال الدبعي

    طلال الدبعي شاعر/اداري


    بينما كنت اقف بجانب المنزل

    ترمقني عيونك

    لست ادري

    ابنظرة اعجاب ام بنظرة اشفاق

    المهم

    تحسست جيبي الذي تتكدس فيه كومة من بقايا الزمن

    اعني من بقاياكي انتي

    فليس بالقليل ما كنت اتلقاه منكي قبل كل مساء

    اخرجت يدي وبها علبة السجائر

    انتزعت واحدة منها

    اشعلتها

    رمقتك في اخر لحظة كنت اقف فيها بنظرة لطيفة

    وانا اخذ نفسا عميقا اشرأبت رئتايا منه بدخان يتاجج في صدري

    كما تتاجج فيه تلك الاشواق

    مضيت في طريقي دون ان الوح لك بشيء من افكاري

    حتى نفسي

    لم تكن راضية عما اقوم به

    فهي دائما تؤنبني على مثل هذه اللحظات

    تقف الى جنبك لاكون انا المذنب

    حتى على لا شيء

    المهم انها تبقى تجاملك كي لا تكوني ضعيفة الموقف

    تركتك تموجين في لجة من الافكار

    ان لم تكوني تعصري ذاتك دون ان تقطر لك منها قطرة مفيدة

    اتدرين لماذا؟

    غنية انتي عن كل الاجابات

    ومقامك اسمى من كل التسؤلات

    ودعت المكان في صمت دون ان احسب

    اي حساب

    لا للايام

    لا لكي انتي

    لا لنفسي

    لا للماضي

    لالتلك الايام التي قد جمعتنا

    ولا لهذه الايام التي قد فرقتنا

    لان قناعة حلت بروحي وسكنتها

    بعد عناء ومشقة

    لا اريد التخلي عنها في هذه اللحظة

    فلعل شيئا في منتصف الطريق قد يحدق بعينيه

    في قلبي

    ويلومني في يوم من الايام



    وفي احدى الليالي

    وتحت هزيم الرعد

    ولائح البرق


    ارسلتي الي اخاك الصغير تصحبه قطرات المطر

    وكانك قد غسلتي قلبك والان تودين غسل قلب تلكات عليه نداءاتك الحزينة

    دون حرف او جواب

    لم استشعر الموقف

    فقد جاء

    ليتحجج بطلب لا يعنيك وان كان على لسانك

    يقول لي

    قالت ...

    اعطني لونا من علبة الالوان

    سالته

    واي لون تريد

    لا ادري

    اذن خذ ما تريد فهاهي علبة الالوان اماك

    تمنع لحظة

    ثم استدرك

    لا

    فقلت له لماذا

    قال ساذهب لاسالها اي لون تريد

    انطلق المسكين اليك في خفة الطير

    وعاد كما ذهب ليقول

    قالت اعطني اي لون

    قلت له هاك العلبة وخذ منها ما تريد

    التزم الصمت قليلا

    اطرق وهو يقول في حياء

    قالت اختر لها اي لون تريد انت

    فقلت في نفسي

    يا لكي من مجنونة

    كيف رضيتي ان تقهري قلب هذا المسكين الذي

    تردد الطلب على لسانه مرات ومرات

    انت اجبرتيه على القول

    فلولاك لما استطاع ان يقول

    يا لكي من قاسية

    تجندين كل شيء في سبيل هواك

    حتى اخاك المسكين لم ترحميه

    فتحت العلبة

    واخترت له اللون اللذي كنتي تفضيليه دوما

    لتزيني به ورودك الجميلة

    فانا لم ازل احفظك حتى في اختياراتك

    قدمته اليه

    رمقني وهو يبتسم

    ثم قال انا متاكد من اني ساعود

    كان الصغير مدركا لما يدور في ذهنك

    ولما يختلج من افكارك

    بينما انا لم القي اي اعتبار لما حصل

    وبعد برهة

    عاد الصغير وبيده قلم اللون

    وهو يلهث من بعد ان اجبرتيه على الركض

    اذهب وعد بسرعة قبل ان ياتي ابي

    قدم لي القلم وهو ممتعض

    اشفقت عليه

    قال لي

    اعطها علبة الالوان

    وانا ساعيدها فور ان تخلص منها

    قلت له ونعم الراي

    ولكن الصغير فوجئ عندما ارجعتيه يحمل خيبة الامل في يد

    وعلبة الالوان في اليد الاخرى

    صاح امامي

    انفض يبكي

    وهو يقول مجنونة

    لا ادري ماذا يدور براسها

    فقلت هون عليك يا صغيري

    فانت لم تزل بطلا ولا يهمك مثل هذه الروحة والجية

    عاد الصغير وهو يحمل بسمة رضا

    لتستقبليه وتساليه

    هاه

    ماذا قال لك

    ادهشك عندما رد عليك بقوله

    اذهبي اليه انتي واساليه

    كدتي ان تنفجري في وجهه ضاحكة

    لولا الخوف والحياء

    كلمات ذالك الصغير دغدغت مشاعرك

    اشعلت فيك بركانا من الافكار تتصارع كالحمم

    اعتراك الشوق

    كنتي محقة في تفكيرك عندما طرأ على بالك ان تقتحمي

    كل الحواجز كل الاسوار

    سواء كانت من شوك او من طين او من حجر

    حتى لو كانت سياجا من حديد

    ولكن حاجزا منيعا هو الذي تصدى لكل

    تخيلاتك وافكارك

    مسكينة

    نعم مسكينة انتي

    حين فكرتي في كل شي

    الا شيء واحد لم يطرأ على بالك

    ولعله قد طرا

    ولكنك اوهمتي نفسك بالصمم

    اتعرفين كم مضى من الوقت

    وانتي لا تقيمين وزنا لنفسك ولا لحياتك في قلب من اخلص معكي

    اتذكرين يوم كنتي تحلمين ببستان من التين الشوكي

    ترتادينه صباح مساء لتنعمي بلذة البقاء فيه

    اتذكرين كم مرة اخفيتي عني لعبك وسرعان ما اجدها

    كل ذلك كان دليله شيء واحد

    الحب

    نعم كان دليله الحب

    فكما انكي تحسين مني بشغفي اليك

    فكذلك انا احس بكل تصرفاتك

    يدكي تحرك احساسي وان لم اكن موجودا الى جوارها

    فما بالك بالاشياء الاخرى

    اقتحمتي علي صمتي وسكوني

    ازحتي عن قلبك غيمة كانت قد لبدته

    فجرتي في كيانك ترددات لطالما اتعبتك

    تمردتي على كل شيء من حولك

    ولكن متى كان هذا ؟

    كان بعد فوات الاوان

    بعد طول وقت اصبحتي الان يؤرقك البكاء

    تعاف عيناك النوم وتستلذ ويطيب لها السهر

    تندب من وقت لاخر نهديك المتكورين

    يداك لا تستطيع ان تفي بغرضهما

    عيناك سئمت الصبر والركود

    تحجرت امام دولاب خشبي يحمل على صدره

    مرءآة مشطوبة تعب من الوقوف امامك كل يوم

    دون ان تتعبي انتي من مشاهدت وجهك الشاحب عليه

    لعلك القيتي بكل هذا وراى ظهرك

    لتستعدي من جديد لخوض معركة مع ذاتك





    وافتني عيناك وانت تقفين على قارعة الطريق والمطر يبلل ثيابك

    اشفقت عليك عندما رايتك نصف عاريه

    لعل هذا المشهد هو ما كنت في احد الايام اتوق اليه

    استشفه من حركاتك يسرة ويمنة

    دون ان اشبع غريزتي الشيطانية مما تهفو اليه

    فبكل الاحوال جائع انا

    اومأت لسائق السيارة ان يعود

    رمقني وكانه يقول لي غنيمة

    ولكني سرعان ما رددت عليه في نفسي

    غض بصرك

    فانا لم ازل اغار عليك

    نعم اغار عليك من كل شي رغم كل شيء

    صعدتي الى السيارة وانتي تتصببين من راسك الى اخمص قدميك

    كنت اود لو اتحول الى منشفة تخلصك ثيابك وتلتف على جسدك

    لتقيك البرد وتانسين بها لتدفئي قليلا

    كم رحلت بي ذاكرتي في هذه اللحظات البسيطة

    التي استغرقت منا اقل من نصف ساعة

    كنت اتمنى لو تطول بنا الطريق

    اوهم نفسي ببعض الامنيات

    اواسيها من لحظة لاخرى

    عساها تكون الطريق مقطوعة في المكان الفلاني

    اغالب نفسي , استرق النظر اليك في مرءآة السائق الامامية

    لكن للاسف لاحظ توتري ونظراتي الزائدة في المرءآة

    حولها الى الجانب الاخر

    يا له من احمق

    كل شيء يحس بالفضول يتدخل فيما بيني وبينك دون ان يراعي

    لنا اي حقوق

    حتى السائق الذي لا تهمه غير اجرته وكانه اصبح وليا عليك

    يمنعك ويمنع عنك

    وانت يلفك الصمت مطرقة تتاملين في ثيابك تدارين عن نفسك الخجل

    كيف لي ان اشاهد هذا المنظر

    مضى بنا الوقت وانتي وانا كل منا يلجم فاه الصمت

    غير انا لا نخلو من الجدل الذي يدور بيننا في داخل انفسنا


    يبدو اننا اطلقنا العنان لارواحنا لتسبح في فضاء الخيال الواسع

    ونحن نقتفي اثرها في صمت وسكون مطرقين

    نخاف لو تفوه احدنا بكلمة لايقض هذه الارواح

    قاسية انتي

    عندما وصلتي الى بيتك وترجلتي من السيارة تركتيني اغوص

    في معمعان افكار متضاربة اكلت راسي طول الطريق

    حتى اجرة السائق لم تدفعيها

    شكرا لم تجد بها شفاهك السمر

    يا لها من قسوة ولكني ما زلت ابرر لك الموقف





    للرائع أحمد عصفور
     

مشاركة هذه الصفحة